تعتبر زكاة المال من الواجبات الأساسية في الإسلام، حيث تعتبر رمزًا للعدل الاجتماعي وتؤدي إلى توزيع الثروة بشكل يضمن حقوق المحتاجين،إن إخراج جزء من المدخرات المالية لمستحقيها يعد فريضة من الله سبحانه وتعالى على عباده المسلمين، ويرجع ذلك إلى أهمية تعزيز مفهوم التكافل الاجتماعي في المجتمع،ومن ضمن هذه الواجبات تأتي زكاة المال على شهادات الاستثمار، وهو موضوع يتطلب منا النظر بعناية شديدة في كيفية احتساب الزكاة ومدى تعقيداته.

عندما يتعلق الأمر بإخراج زكاة المال، يجب أن نأخذ في الاعتبار عدة شروط، منها أن تبلغ مدخرات الفرد المالية خمسة وثمانين جرامًا من الذهب، وأن تمر عليها فترة زمنية تقدر بعام هجري كامل،يتم حساب زكاة المال على إجمالي المدخرات بنسبة 2.5% من أصل المبلغ المدخر، ولكن كثيرًا ما يتم الجدل حول كيفية فرض هذه الزكاة عند الحديث عن شهادات الاستثمار.

على سبيل المثال، إذا كان لدى الفرد 50 ألف جنيه مصري في البنك، وأرباح تلك الأموال تبلغ 5000 جنيه مصري سنويًا، فإن إجمالي المدخرات بنهاية العام سيكون 55 ألف جنيه،ولذا، يتم حساب الزكاة وفقًا للنسبة المذكورة سابقًا،لكن السؤال الأهم هنا هو هل يتم إخراج الزكاة على أصل قيمة الشهادة الاستثمارية، أم على الأرباح فقط

يختلف العلماء في هذا الصدد، فقسم من العلماء يرون أن الزكاة يجب أن تُحسب على كل من أصل الشهادة الاستثمارية وأرباحها،بينما يعارض آخرون هذا الرأي ويقترحون أن الزكاة يجب أن تقتصر على الأرباح فقط،يعود الاختلاف إلى طبيعة الشهادات الاستثمارية وكيفية تعامل الأفراد معها.

الدكتور علي جمعة، مفتي جمهورية مصر العربية سابقًا، يعتبر أن المال المودع في البنوك ذو العائد الثابت واجب فيه الزكاة إذا مر عليه عام هجري كامل،ويؤكد أن نسبة الزكاة تكون 2.5% من قيمة المال المدخر، إضافة إلى أصل رأس المال،بينما يرى أن زكاة شهادات الاستثمار ليست واجبة طالما أن هناك عدم استقرار في الأرباح.

في هذا السياق، يأتي رأي الأستاذ أحمد وسام، الذي يشدد على ضرورة إخراج الزكاة على الشهادات الاستثمارية عند وجود عائد ثابت،هو يؤكد أن الأصل يجب احتسابه جنبًا إلى جنب مع الأرباح، وينصح بضرورة احتساب الزكاة سنويًا بعد مرور عام هجري كامل.

أما بالنسبة للشيخ عبد الله المشد، فقد أجاز إخراج زكاة المال على الشهادات الاستثمارية بنسبة 10%، معتبرًا أن هذه النسبة تطبق فقط على الأرباح دون أصل المدخرات،وهذا يعد تيسيرًا للمجتمع ويشجع الناس على إخراج زكاتهم دون تردد.

بينما في حالات معينة، مثل وجود دخل شهري ضئيل أو عدم قدرة الشخص على تلبية احتياجاته الأساسية، فقد تُعد النسبة 10% نسبة مناسبة،أما إذا كان لدى الفرد دخل كبير ويكفي احتياجاته، يُفضل دفع نسبة أكبر تصل إلى 2.5% من إجمالي رأس المال والأرباح.

الخلافات متواصلة وحتى الآراء تتباين بين العلماء، إلا أن جميع الآراء تبقى تحت مظلة الهدف الأساسي وهو تحقيق العدالة والمساعدة للفقراء والمحتاجين،فزكاة المال ليست مجرد فرض ديني، بل وسيلة لتعزيز التكافل الاجتماعي، وهو ما يتطلب قدراً كبيراً من المسؤولية من كل مسلم.

على الرغم من هذا الجدل، تبقى القاعدة الأساسية مؤصَّلة في الدين، وهي أن الزكاة واجبة على كل مال قادر على أن تُدفع عنه الزكاة،وفيما يتعلق بالشهادات الاستثمارية الطويلة الأجل، تظهر تحديات جديدة حيث يتم استثمار الأموال لفترات زمنية طويلة قد تزيد عن الخمس سنوات، مما يثير تساؤلات حول كيفية إخراج الزكاة بشكل يتوافق مع التعاليم الإسلامية.

لذا، يجب أن نكون واعين لأهمية زكاة المال على شهادات الاستثمار، وما يترتب عليها من فوائد اجتماعية واقتصادية،إن المساعدة في تنمية المجتمع تتطلب منا الفهم الجيد لأحكام الزكاة وآلية احتسابها بشكل يضمن تحقيق العدالة للكل،انطلاقًا من هذه الفكرة، نجد أن إخراج الزكاة ليس مجرد واجب ديني، بل يعكس الوعي الاجتماعي والالتزام بالقيم الإنسانية النبيلة التي دعا إليها الإسلام.

ختامًا، يُعد موضوع زكاة المال على شهادات الاستثمار موضوعًا حيويًا يتطلب المزيد من البحث والدراسة لضمان تقديم فهم دقيق وشامل يمكن الأفراد من احترام التزاماتهم الدينية،إن الفهم الصحيح والمستنير لهذه الأحكام يسهم في تقوية الروابط بين أفراد المجتمع ويخلق بيئة تتسم بالعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات.